التكميم وتطبيق النماذج الرياضية في البحث الاجتماعي

يأخذ استخدام النماذج الإحصائية والرياضية في التحليل الاجتماعي بالازدياد منذ بدايات النصف الثاني من القرن العشرين، وبخاصة مع تطور البرامج التقانية والحاسبات الإليكترونية التي باتت تقدم للباحثين مجموعة واسعة من الخدمات العلمية التي لم تكن متاحة لهم في الفترات السابقة. وعلى الرغم من أن ذلك اقترن نسبياً مع تطور وسائل البحث الاجتماعي وأدواته وإجراءاته العملية غير أن هذا الاقتران لم يكن بالقدر الكافي الذي يسمح باستخدام النماذج الرياضية على نطاق واسع، فمازالت هناك مجموعة من المشكلات التي تحول دون هذا الاستخدام أحياناً، أو تسهم في صياغة نتائج مضللة أحياناً أخرى.
وفي هذا السياق، يهدف البحث إلى رصد مجموعة من المشكلات المنهجية التي تحول دون استخدام النماذج الرياضية في علم الاجتماع استخداما واسعاً من خلال ثلاثة محاور أساسية؛ يشرح الأول أهداف البحث ومسوغاته وأسسه المنهجية وإجراءاته العملية، ويتناول الثاني المظاهر الأساسية لاستخدام النماذج الرياضية في علم الاجتماع وتطورها التاريخي، ويدرس الثالث جملة من المشكلات المنهجية المتعلقة باستخدام النماذج الرياضية في علم الاجتماع من خلال تحليل بعض مشكلات العمل والتعليم بين الشباب في الجمهورية العربية السورية، اعتماداً على قاعدةبيانات التقرير الثاني لواقع الشباب ومشكلاتهم المعد من قبل مركز الدراسات الشبابية في منظمة اتحاد شبيبة الثورة.
وقد خلصت الدراسة إلى أن أكثر المشكلات التي تحول دون استخدام النماذج الرياضية في علم الاجتماع، كما هي عليه في علوم اجتماعية أخرى، يتمثل في المشكلات الرئيسة الآتية:
1.    غياب التحديد الواضح للمفاهيم والمصطلحات المستخدمة في علم الاجتماع، إذ أن استخدام المصطلحات والمفاهيم بدلالات مختلفة يؤدي حتماً إلى نتائج مختلفة أيضاً، وصيغ إحصائية متباينة.
2.    اختلاف الإجراءات المنهجية للبحوث الاجتماعية وتطبيقاتها العملية باختلاف الخبرات المهنية للباحثين، وبتنوع اتجاهاتهم الفكرية، الأمر الذي يؤدي إلى ظهور الطابع الشخصي في تلك الإجراءات.
3.    التداخل بين المكونات الداخلية للظاهرة الاجتماعية وإطارها المحيط بها، كما هو الحال مثلاً بالنسبة لتأثير ثقافة الفرد في سلوكه، فهي بالإضافة إلى كونها واحدة من العوامل الداخلية التي تؤثر في أشكال السلوك، إلا أنها ترتبط بالثقافة السائدة، ولا تنفصل عنها، الأمر الذي يجعل التمييز بين ما هو داخلي مستقل، وبيئي محيط على درجة عالية من الصعوبة.
4.    ضعف العناصر الثابتة في الظاهرة الاجتماعية وقلتها قياساً إلى العناصر المتحولة يؤدي إلى مزيد من الصعوبات في ضبط العلاقة بين المتغيرات، ذلك أن القدرة على ضبط هذه العلاقة غالباً ما تصبح أقل عندما تصبح متحولات الظاهرة أكبر من ثوابتها.
وتنتهي الدراسة بجملة من المقترحات والتوصيات التي من شأنها أن تساعد في تطوير استخدام النماذج الرياضية في علم الاجتماع، ومن ذلك العمل على تطوير المصطلحات ومؤشراتها الكمية، وتطوير قواعد البيانات، وتطوير استراتيجيات البحث الاجتماعي الكمي.






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق