مشكلة العنف الأسري في المجتمع العربي الراهن

تعد ظاهرة العنف الأسري واحدة من الظواهر الاجتماعية التي يزداد انتشارها في الوقت الراهن في العالم بصورة عامة، وفي المجتمع العربي بشكل خاص، ويأخذ الباحثون في العلوم الاجتماعية اتجاهات عديدة في تحليلها وبيان العوامل المؤدية إليها، وغالباً ما يميلون إلى تفسيرها بجملة الخصائص التي تصف الزوجين من حيث العمر ومستوى التعليم، وطبيعة المهنة، ومكان الإقامة وغيرها من الصفات التي يمكن أن تجعل أحد الأبوين يقدم على ممارسة أنماط من السلوك الاجتماعي الموصوف بالعنف، الذي تنتشر مظاهره ضد المرأة تارة، وضد الأطفال تارة أخرى، إلى جانب إمكانية انتشار أنماط سلوكية مضطربة بين الزوجين، تجد آثارها واضحة في تنشئة الأبناء وأبعاد شخصيتهم النفسية والاجتماعية.
وعلى الرغم من أن عدداً كبيراً من الدراسات الاجتماعية يأخذ بتحليل جوانب المشكلة من خلال المعالجة الإحصائية للبيانات والكشف عن الروابط التي تبين طبيعة العلاقة بين الخصائص النفسية والاجتماعية التي تميز الأفراد عن بعضهم، وأشكال ممارستهم للعنف الأسري، فإن الدراسة تتجه نحو تفسير انتشار ظاهرة العنف بالتغيرات الاجتماعية والثقافية التي باتت تنتشر في المجتمع العربي إثر انحلال مجموعة القيم والضوابط الاجتماعية التي كانت سائدة لفترة من الزمن دون أن يتشكل البديل الثقافي الذي يضمن انضباط الأفراد والتزامهم بما يضمن حقوقهم المتبادلة، الأمر الذي أوجد ميلاً قوياً لدى الأفراد نحو السعي الحثيث للحصول على حقوقهم الشخصية، مع شعور أقل بالمسؤولية الاجتماعية التي تفرضها عليهم مبادئ المحافظة على الأسرة وحمايتها، وضمان مصالح أبنائها.
وتعتمد الدراسة في تفسيرها لانتشار مظاهر العنف الأسري في المجتمع العربي الراهن انتشار مظاهر التغير في التنظيم الاجتماعي القائم على وحدة الأسرة بشكل أساسي إلى التنظيم الاجتماعي القائم على الحياة الفردية للأشخاص واستقلاليتهم عن الأسر التي ينتمون إليها، ويأتي هذا التحول بتأثير عمليات التواصل مع المجتمع الغربي، والانجراف في تيارات تقليده غير الواعي، اعتقاداً بأن هذا النمط من الحياة يعد السبب الأساسي في النهوض الحضاري للمجتمع الغربي المعاصر لما يعطيه لأفراده من الحرية التي لا تتوفر في المجتمع العربي، ومع انتشار مظاهر التحول المشار إليها أخذت تنتشر أيضاً أنماط سلوكية مزدوجة الطابع.. الميل نحو الحرية وتعظيم حقوق الذات على غرار ما هو سائد في المجتمع الغربي، والميل إلى إحكام السيطرة على أفراد الأسرة تمسكاً بالأصالة العربية والهوية الثقافية كما تبدو للفاعلين، إلى جانب تيارات تميل إلى تعظيم حقوق الجماعة وإعطاؤها الأولوية في عمليات التنشئة والتربية على حساب الأفراد المكونين لها مما ينطوي في مضمونه على أشكال من العنف الاجتماعي ضد الفئات الأضعف في التركيب الاجتماعي، وغالباً ما يستمد أصحاب هذا التيار مشروعيتهم تحت شعار المحافظة على الهوية الثقافية والعقائدية التي يتميز بها المجتمع العربي.
ومن الملاحظ أن مظاهر التناقض بين التيارات الثقافية والاجتماعية المختلفة ازدادت بدرجة كبيرة مع انتشار الشعور بضرورة البحث عن نموذج ثقافي قادر على تلبية احتياجات المجتمع العربي الراهن، ويمده بالقوة والمنعة، خاصة بعد أن ظهرت مظاهر اليأس والشعور بالإحباط إثر فشل المجتمع العربي في مواجهة التحديات السياسية والعسكرية التي تهدده عامة، وفشله في مواجهة الاحتلال الصهيوني لفلسطين بشكل خاص.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق